سورة الأنفال - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{وإذ يمكر بك الذين كفروا} وذلك أنَّ مشركي قريش تآمروا في دارة النَّدوة في شأن محمَّد عليه السًّلام، فقال بعضهم: قيِّدوه نتربص به ريب المنون، وقال بعضهم: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه، وقال أبو جهل- لعنه الله-: ما هذا برأي، ولكن اقتلوه، بأن يجتمع عليه من كلِّ بطنٍ رجلٌ، فيضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ، فإذا قتلوه تفرَّق دمه في القبائل، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلِّها، فأوحى الله تعالى إلى نبيِّه بذلك، وأمره بالهجرة، فذلك قوله: {ليثبتوك} أَيْ: ليوثقوك ويشدُّوك {أو يقتلوك} بأجمعهم قتلةَ رجلٍ واحدٍ، كما قال اللَّعين أبو جهل، {أو يخرجوك} من مكَّة إلى طرفٍ من أطراف الأرض {ويمكرون ويمكر الله} أَيْ: يجازيهم جزاء مكرهم بنصر المؤمنين عليهم {والله خير الماكرين} أفضل المجازين بالسَّيئِة العقوبة، وذلك أنَّه أهلك هؤلاء الذين دبَّروا لنبيِّه الكيد، وخلَّصه منهم.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا...} الآية. كان النَّضر بن الحارث خرج إلى الحيرة تاجراً، واشترى أحاديث كليلة ودمنة، فكان يقعد به مع المستهزئين، فيقرأ عليهم، فلمَّا قصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية قال النَّضرُ بن الحارث: لو شئتُ لقلتُ مثل هذا، إنْ هذا إلاَّ ما سطَّر الأوَّلون في كتبهم، وقال النَّضر أيضاً: {اللهم إن كان هذا} الذي يقوله محمَّدٌ حقَّاً {من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} كما أمطرتها على قوم لوط {أو ائتنا بعذابٍ أليم} أَيْ: ببعض ما عذَّبت به الأمم. حمله شدَّة عداوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم على إظهار مثل هذا القول، ليوهم أنَّه على بصيرةٍ من أمره، وغاية الثِّقة في أمر محمَّد، أنَّه ليس على حقٍّ.


{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} وما كان الله ليعذِّب المشركين وأنت مقيمٌ بين أظهرهم؛ لأنَّه لم يعذِّب الله قريةً حتى يخرج النبيُّ منها والذين آمنوا معه {وما كان الله} معذِّبَ هؤلاء الكفَّار وفيهم المؤمنون {يستغفرون} يعني: المسلمين، ثمَّ قال: {وما لهم ألا يعذِّبهم الله} أَيْ: ولمَ لا يعذِّبهم الله بالسَّيف بعد خروج مَنْ عنى بقوله: {وهم يستغفرون} من بينِهم {وهم يصدون} يمنعون النبيِّ والمؤمنين {عن المسجد الحرام} أن يطوفوا به {وما كانوا أولياءه} وذلك أنَّهم قالوا: نحن أولياء المسجد، فردَّ الله عليهم بقوله: {إن أولياؤه إلاَّ المتقون} يعني: المهاجرين والأنصار {ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون} غيبَ علمي وما سبق في قضائي.
{وما كان صلاتهم عند البيت إلاَّ مكاءً وتصديةً} أَيْ: صفيراً وتصفيقاً، وكانت قريش يطوفون بالبيت عُراةً يُصفِّرون ويُصفِّقون، جعلوا ذلك صلاةً لهم، فكان تَقرُّبُهم إلى الله بالصَّفير والصَّفيق {فذوقوا العذاب} ببدرٍ {بما كنتم تكفرون} تجحدون توحيد الله تعالى.
{إنَّ الذين كفروا} نزلت في المُنفقين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيَّام بدرٍ، وكانوا اثني عشر رجلاً. قال تعالى: {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة} بذهاب الأموال، وفوات المراد.
{ليميز الله الخبيث من الطيب} أَيْ: إنما تحشرون إلى جهنَّم ليميِّز بين أهل الشَّقاوة، وأهل السَّعادة {ويجعل الخبيث} أَي: الكافر، وهو اسم الجنس {بعضه على بعض} يلحق بعضهم ببعض {فيركمه جميعاً} أَيْ: يجمعه حتى يصير كالسَّحاب المركوم ثمَّ {فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون} لأنَّهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة.
{قل للذين كفروا} أبي سفيان وأصحابه: {إن ينتهوا} عن الشِّرك وقتال المؤمنين {يغفر لهم ما قد سلف} تقدَّم من الزِّنا والشِّرك؛ لأنَّ الحربيَّ إذا أسلم عاد كَمِثْلِهِ يوم ولدته أمه {وإن يعودوا} للقتال {فقد مضت سنَّة الأولين} بنصر اللَّهِ رسلَه ومَنْ آمن على مَنْ كفر.
{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} كفرٌ {ويكون الدين كله لله} لا يكون مع دينكم كفرٌ في جزيرة العرب {فإن انتهوا} عن الشِّرك {فإنَّ الله بما يعملون بصير} يُجازيهم مُجازاة البصير بهم وبأعمالهم.


{وإن تولوا} أَبَوا أن يدعوا الشِّرك وقتال محمد {فاعلموا أنَّ الله مولاكم} ناصركم يا معشر المؤمنين.
{واعلموا أنما غنمتم من شيء} أخذتموه قسراً من الكفَّار {فَأَنَّ لله خمسه} هذا تزيينٌ لافتتاح الكلام، ومصرف الخمس إلى حيث ذَكر، وهو قوله: {وللرسول} كان له خمس الخمس يصنع فيه ما شاء، واليوم يُصرف إلى مصالح المسلمين {ولذي القربى} وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين حُرِّمت عليهم الصَّدقات المفروضة، لهم خمس الخمس من الغنيمة {واليتامى} وهم أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم، يُنفق عليهم من خُمس الخمس {والمساكين} وهم أهل الحاجة والفاقة من المسلمين، لهم أيضاً خمس الخمس {وابن السبيل} المنقطع به في سفره، فخمس الغنيمة يقسم على خمسة أخماس كما ذكره الله تعالى، وأربعة أخماسها تكون للغانمين، وقوله: {إن كنتم آمنتم بالله} أَيْ: فافعلوا ما أُمرتم به في الغنيمة إن كنتم آمنتم بالله {وما أنزلنا على عبدنا} يعني: هذه السُّورة {يوم الفرقان} اليوم الذي فرَّقت به بين الحقِّ والباطل {يوم التقى الجمعان} حزب الله، وحزب الشَّيطان {والله على كلِّ شيء قدير} إذ نصركم الله وأنتم أقلَّةٌ أذلَّةٌ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6